عابرون في كلام عابر
--------------------------------------------------------------------------------
عبدالله بن بخيت
لم ننته بعد من الطيور حتى دخلنا على الخنازير. بسبب الموقف الديني نحن أقل الناس معرفة بهذا الحيوان. الحقيقة لا يمكن أن تجد ما هو أقذر من هذا الحيوان. قبل سنوات في الولايات المتحدة, أخذتنا الجامعة التي تستضيفنا في جولة حول المزارع الكبرى المحيطة بالمدينة. ما إن وصلنا منطقة المزارع حتى هبت علينا روائح كريهة لا أستطيع إعطاءها اسما أو نسبتها إلى سبب معروف. روائح تكتم الصدر وتفقد القدرة على التركيز.عندها أعلن مضيفنا أننا نقترب من مزارع تربية الخنازير.
يعيش الخنزير في وعلى القاذورات منذ فجر وجوده. لا يمكن رد مرض انفلونزا الخنازير إلى قذارة هذا الحيوان. هناك سبب آخر. لابد أن تدخلاً إنسانياً بصورة أو أخرى أدى إلى خلق هذا المرض. من هذا الباب سنصل بسهولة إلى نظرية المؤامرة. هناك مختبرات كثيرة في أنحاء العالم تعمل على أبحاث الجراثيم والفيروسات. بعض هذه المراكز سرية وبعضها علني لكن أهمها مراكز الأبحاث العسكرية. فهؤلاء لا يبحثون لوجه الله وعلى استعداد إنتاج أوبئة تخدمهم في الحروب. أكبر متهم في هذا الصدد هو الجيش الأمريكي. في كل مرة نرى ظاهرة من الظواهر الغريبة كأمراض أو تقنية أو أجسام غريبة نردها على الفور إلى الجيش الأمريكي. حتى أضحى الجيش الأمريكي مصدر كل الشرور الغامضة في هذا العالم. ولكي نفسر هذا الاتهام نحتاج إلى نظرية مؤامرة أخرى. الجيش الأمريكي مهما امتلك من إمكانيات يبقى محدود القدرة وفي نفس الوقت هناك مراكز أبحاث كثيرة تنافسه. فما نقرأها من تفسيرات صحفية يمكن بسهولة أن تؤكدها أو تنفيها مراكز أبحاث في روسيا وبريطانيا والصين وغيرها فالعلم موجود في كل مكان وليس حكرا على الجيش الأمريكي. في أمريكا نفسها مراكز أبحاث أخرى تستطيع أن تعطي تفسيرا لولادة هذا الفيروس الجديد’. قد يأتي متآمرجي آخر ويقول إن هذا الحيوان من صنيعة شركات الأدوية. هلع الخنازير هذا سيكون مبررا لإنتاج لقاح جديد سيباع في أنحاء العالم ويحقق مليارات. اتهام موجه للرأسمالية. على كل حال هؤلاء الذين يتهمون الجيش الأمريكي بكل شيء غامض ينبثق في هذا الوجود هم في الواقع يصنعون قوة الجيش الأمريكي. يرفعونه إلى درجة التأليه.لا يقيسون نتائج حروب هذا الجيش بالأساطير التي تنسج حوله. لا يعرفون أن هذا الجيش على قوته وجبروته لم ينتصر في معظم الحروب التي خاضها. من حرب فيتنام إلى حرب خليج الخنازير إلى أفغانستان حتى في العراق لم يحقق أياً من أهدافه التي جاء من أجلها. محاولة اتهام الجيش الأمريكي بإنتاج هذه الأوبئة لها تفسيران. الأول هو إسباغ القوة والجبروت على هذا الجيش والثاني اتهام هذا الجيش وبالتالي اتهام أمريكا بأنها مصدر الشرور في هذا العالم.
إذا أردت أن أضع نفسي حكيما أفسر هذه الظاهر يمكنني القول إن الحياة لا تني تنتج نفسها. كما أن الإنسان يولد أحيانا مشوهاً فالفيروس من حقه أن يولد مشوهاً أيضا. علينا أن نتعلم أن هذا الوجود وجد قبلنا وسيبقى حتى بعد رحيلنا. نحن عابرون في كلام عابر.